كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} يعني: الأحزاب.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، صالح بني قريظة وبني النضير على أن لا يكونوا عليه، ولا معه.
فنقضت بنو النضير عهودهم، وأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم منها، وذكر قصتهم في سورة الحشر.
ثم إنّ بني قريظة جددوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إن حيي بن أخطب ركب، وخرج إلى مكة.
فقال لأبي سفيان بن حرب: إن قومي مع بني قريظة وهم سبعمائة وخمسون مقاتلًا.
فحثّه على الخروج إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم خرج من مكة إلى غطفان وحثهم على ذلك.
ثم خرج إلى كنانة وحثهم على ذلك.
فخرج أبو سفيان مع جماعة من أهل مكة.
وخرج غطفان وبنو كنانة حتى نزلوا قريبًا من المدينة مع مقدار خمسة عشر ألف رجل.
ويقال: ثمانية عشر ألف رجل.
ثم جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة.
فجاء إلى باب كعب بن الأشرف وهو رئيس بني قريظة.
فاستأذن عليه.
فقال لجاريته: انظري من هذا؟ فعرفته الجارية فقالت: هذا حيي بن أخطب.
فقال: لا تأذني له عليّ.
فإنه مسؤوم إنه قد سأم قومه.
يريد أن يسأمنا زيادة.
فقالت له الجارية: ليس هاهنا فقال حيي بن أخطب بلى هو ثم ولكن عنده قدر جيش لا يحب أن يشركه فيها أحد.
فقال كعب: أحفظني أخزاه الله.
يعني: أغضبني ائذني له في الدخول.
فدخل عليه.
فقال له: يجيئُك مليكك، قد جئتك بعارض برد جئتك بقريش بأجمعها، وكنانة بأجمعها، وغطفان بأجمعها.
لا يذهب هذا الفوز حتى يقتل محمد.
فانقض الحلف بينك وبين محمد.
فقال له كعب بن الأشرف: إن العارض ليسبب بنفحاته شيئًا.
ثم يرجع وأنا في بحر لجي، لا أقدر على أن أريم داري ومالي.
والله ما رأينا جارًا قط خيرًا من محمد ما خفر لنا بذمة، ولا هتك لنا سترًا ولا آذانا، وإنما أخشى أن لا يقتل محمد، وترجع أنت وأقتل أنا.
فقال لكم ما في التوراة إن لم يقتل محمدًا في هذا الغور، لأدخلنّ معكم حصنكم، فيصيبني ما أصابكم.
فنقض الحلف، وشقّ الصحيفة، فقدم بنعيم بن مسعود المدينة، وكان تاجرًا يقدم من مكة.
فقال: يا محمد شعرت أن بني قريظة نقضوا الحلف الذي كان بينك وبينهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بذلك» فقال عمر: إن كنت أمرتهم بذلك، وإن كنت تأمرهم بذلك، فقتالهم علينا هيّن فقال: «مَا أَنا بكَذَّابٍ، ولكن الحَرْبَ خُدْعَةٌ» ونعيم لم يسلم ذلك اليوم فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة إلى كعب بن الأشرف، يناشدوه الله الحلف الذي كان بينهم وأن يرجعوا إلى ما كانوا عليه من قبل فأبى كعب بن الأشرف، وجرى بينهم كلام وسبّ سعد بن معاذ فقال أسيد بن حضير: أتسب سيدك معاذًا يا عدو الله؟ ما هو لك بكفؤ فقال سعد بن معاذ: اللهم لا تميتني حتى أشفي نفسي منهم فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث فانطلق نعيم بن مسعود إلى أبي سفيان فقال: يا أبا سفيان والله ما كذب محمد قط كذبة أخبرني بأنه أمر بنقض الحلف بينه وبين بني قريظة فقال سلمان الفارسي: إنا كنا يا رسول الله بأرض فارس إذا تخوفنا الجنود، خندقنا على أنفسنا فهل لك أن تخندق خندقًا؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل المدينة، وخندق وأخذ المعول بيده، فضرب لكي يقتدي الناس فضرب ضربةً فأبرق برقة، حتى ظهر ضوء بضربته ثم ضرب ضربة أخرى فأبرق برقة، ثم ضرب الثالثة فقال سلمان: لقد رأيت أمرًا عجيبًا لقد رأيت ذلك قال: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ بالأُولَى قُصُورَ الشَّام، وَبالثَّانيَة قُصُورَ كسْرَى؛ وَبالثَّالثَة قُصُورَ اليَمَن فهذه فُتُوحٌ يَفْتَحُ الله عَلَيْكُمْ» فقال ناس من المنافقين: يعدنا أن تفتح الشام، وأرض فارس، واليمن وما يستطيع أحد منا أن يذهب إلى الخلاء ما يعدنا إلا غرورًا فمكث الجنود حول المدينة بضعة عشرة ليلة، فأرسل عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك إن أعطيتنا تمر المدينة هذه السنة، نرجع عنك بغطفان وكنانة، ونخلي بينك وبين قومك فتقاتلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا فقال: فنصف ذلك التمر قال: «نعم» وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس، وسعد بن عبادة وهو سيد الخزرج فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة، والحارث بن عوف لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب لنا كتابًا فدعى بصحيفة ليكتب بينهم فقال سعد بن معاذ وسعد بن عبادة: يا رسول الله أوحي إليك في هذا شيء فقال: «لا ولكنني رَأَيْتُ العَرَبَ رَمَتْكُمْ منْ قَوْسٍ وَاحدَةٍ فَقُلْتُ أَرُدُّ هؤلاء وَأُقَاتلُ هؤلاء» فقالا: ما رجون بهذا منها في الجاهلية قط أن يأخذوا منا تمرة واحدة إلا بشراء وقرًى فحين زادنا الله بك، وأمدنا بك، وأكرمنا بك، نعطيهم الدنية لا نعطيهم شيئًا إلا بالسيف فشق النبي صلى الله عليه وسلم الصحيفة قال: «اذْهَبُوا فَلا نُعْطيكُمْ شَيْئًا إلاَّ بالسَّيْف» فلما كان يوم الجمعة أرسل أبو سفيان إلى حييّ بن أخطب أن استعدَّ غدًا إلى القتال فقد طال المقام هاهنا وقل لقومك يعدوا فلما جاء بني قريظة الرسول، فقالوا: غدًا يوم السبت لا نقاتل فيه فقال أبو سفيان: نحن نؤخر القتال إلى يوم الأحد هاتوا لنا رهونًا أبناءكم نثلج إليهم أي: نطمئن بذلك فجاء رسول أبي سفيان إلى بني قريظة، وقد أمسوا، فقالوا: هذه الليلة لا يدخل علينا أحد، ولا يخرج من عندنا أحد.
فوقع في نفس أبي سفيان من قول نعيم بن مسعود أنه خوان حق، وأن نقض العهد كان مكرًا منهم.
فلما كانت الليلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عند الخندق فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث الليل ثم قال: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ القَوْمُ أَدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ» فما تحرك منهم أحد.
ثم صلى الثلث الثاني فقال: «من رجل ينظر ما يفعل القوم» فما تحرك منهم أحد ثم صلى ساعة، ثم هتف مرة أخرى، فما تحرك منهم إنسان فقال: «يَا حُذَيْفَةُ» فجاء حذيفة فقال: «أَمَا سَمعْتَ كَلامي مُنْذُ اللَّيْلَة» قال: بلى ولكن بي من الجوع والقر يعني: البرد لم أقدر على أن أجيبك قال: «اذْهَبْ فَانْظُرْ ما فَعَلَ القَوْمُ، وَلاَ تَرْمي بسَهْمٍ، وَلاَ بحَجَرٍ، وَلاَ تَطْعَنْ برمْحٍ، وَلاَ تَضْربْ بسَيْفٍ» فقال: يا رسول الله إني لا أخشى أن يقتلوني، إني لميت ولكن أخشى أن يمثلوا بي فقال: «لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ» فلما قال هذا، قال حذيفة: آمنت وعرفت أنه لا بأس علي فلما ولى حذيفة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احْفَظْهُ منْ بَيْن يَدَيْه وَمنْ خَلْفه وَعَنْ يَمينه وَعَنْ شمَاله وَمنْ فَوْقه وَمنْ تَحْته» فدخل حذيفة رضي الله عنه في عسكر قريش، فإذا هم يصطلون يعني: مجتمعين على نار لهم فجلس حذيفة في حلقة منهم فقال: أتدرون ما يريد الناس غدًا؟ قالوا: ماذا يريدون؟ قال: يقولون: يعني: أهل العساكر أين قريش؟ أين سادات الناس وقادتهم؟ فتجيئون فيطرحونكم في نحور العدو فتقتلوا أو تفروا فما زال ذلك الحديث يفشو في العسكر ثم دخل عسكر بني كنانة فقال: أتدرون ماذا يريد الناس غدًا؟ قالوا: ماذا يريدون؟ قالوا: يقولون أين بنو كنانة؟ أين ذروة العرب؟ أين رماة الخندق؟ فتجيبون فيطرحونكم في نحور العدو؟ فتقتلوا أو تفروا ثم دخل عسكر غطفان، فقال: أتدرون ماذا يريد الناس غدًا؟ قولوا ماذا يريدون؟ قال: يقولون أين غطفان؟ أين بنو فزارة بن حلاس الخيول؟ فتجيبون فيطرحونكم في نحور العدو فتقتلوا أو تفروا قال: فبعث الله تعالى عليهم ريحًا شديدة، فلم تترك لهم خباء إلا قلعته، ولا إناء إلا أكفأته وقلعت أوتاد خيولهم، وجالت الخيول بعضها في بعض فقالوا فيما بينهم: لقد بدا محمد بالسر فالنجاة النجاة فركب أبو سفيان جمله معقولًا، فما حلّ عقاله إلا بعد أن انبعث قال حذيفة: ولو شئت أن أضربه بسيفي أو أطعنه برمحي لفعلت ولكن نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فترحلوا كلهم وذهبوا فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه عن العساكر وما فعل الله عز وجل بها فنزل {الجحيم يَأَيُّهَا الذين ءامَنُوا اذكروا نعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} في الدفع عنكم {إذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} من المشركين {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا} شديدة {وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} من الملائكة.
وذلك كبرت حوالي العسكر حتى انهزموا حين هبت بهم الريح، وهي ريح الصبا.
وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نُصرْتُ بالصَّبَا، وَأُهْلكَتْ عَادٌ بالدَّبُور» ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله بمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا} في أمر الخندق.
قوله عز وجل: {إذْ جاؤوكم مّن فَوْقكُمْ} يعني: أتاكم المشركون من فوق الوادي.
يعني: طلحة بن خويلد الأسدي {وَمنْ أَسْفَلَ منكُمْ} من قبل المغرب وهو أبو الأعور السلمي.
ويقال: {مّن فَوْقكُمْ} أي: من قبل المشرق، مالك بن عوف، وعيينة بن حصن الفزاري، ويهود بني قريظة.
{وَمنْ أَسْفَلَ منكُمْ} أبو سفيان.
فلما رأى ذلك قالوا: {وَإذْ زَاغَت الأبصار} يعني: شخصت الأبصار فوقًا يعني: أبصار المنافقين، لأنهم أشد خوفًا كأنهم خشب مسندة {وَبَلَغَت القلوب الحناجر} خوفًا، هذا على وجه المثل.
ويقال: اضطراب القلب يبلغ الحناجر.
ويقال: إذا خاف الإنسان، تنتفخ الرئة، وإذا انتفخت الرئة، يبلغ القلب الحنجرة.
ويقال للجبان: منتفخ الرئة.
{وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} يعني: الإياس من النصرة.
يعني: ظننتم أن لن ينصر الله عز وجل محمدًا صلى الله عليه وسلم، قرأ ابن كثير والكسائي وعاصم في رواية حفص: الظنون بالألف عند الوقف، ويطرحونها عند الوصل.
وكذلك في قوله: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار يَقُولُونَ ياليتنآ أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} [الأحزاب: 66] وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: بالألف في حال الوصل والوقف.
وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف في الحالتين جميعًا.
فمن قرأ بالألف في الحالين، فلاتباع الخط.
لأن في مصحف الإمام وفي سائر المصاحف بالألف.
ومن قرأ بغير ألف فلأن الألف غير أصلية، وإنما يستعمل هذه الألف الشعراء في القوافي.
وقال أبو عبيدة: أحب إلي في هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليها بالألف، ليكون متبعًا للمصحف، واللغة.
ثم قال عز وجل: {هُنَالكَ ابتلى المؤمنون} يعني: عند ذلك اختبر المؤمنون.
يعني: أمروا بالقتال والحضور.
وكان في ذلك اختبارًا لهم {وَزُلْزلُوا زلْزَالًا شَديدًا} أي: حركوا تحريكًا شديدًا واجتهدوا اجتهادًا شديدًا.
{وَإذْ يَقُولُ المنافقون والذين في قُلُوبهم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا} وهم لم يقولوا رسول الله، وإنما قالوا باسمه.
ولكن الله عز وجل ذكره بهذا اللفظ.
قوله عز وجل: {وَإذْ قَالَت طَّائفَةٌ مّنْهُمْ} يعني: جماعة من المنافقين {مّنْهُمْ يا أهل يَثْربَ} يعني: يا أهل المدينة وكان اسم المدينة يثرب، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} قرأ عاصم في رواية حفص: بضم الميم.
وقرأ الباقون: بالنصب.
فمن يقرأ بالضم فمعناه لا إقامة لكم.
ومن قرأ بالنصب، فهو بالمكان أي: لا مكان لكم تقومون فيه، والجمع المقامات.
وكان أبو عبيدة يقرأ بالنصب، لأنه يحتمل المقام والمكان جميعًا.
يعني: أن المنافقين قالوا: خوفًا ورعبًا منهم: لا مقام لكم عند القتال.
{فارجعوا} يعني: فانصرفوا إلى المدينة {وَيَسْتَأْذنُ فَريقٌ مّنْهُمُ النبى} وهم بنو حارثة وبنو سلمة، وذلك أن بيوتهم كانت من ناحية المدينة {يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} يعني: ضائعة، نخشى عليها السراق.
ويقال: معناه أن بيوتنا مما يلي العدو، وإنا لا نأمن على أهالينا.
وقال القتبي: أصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ.
وكان الرجال سترًا وحفظًا للبيوت.
فقالوا: {إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} يعني: خالية والعرب تقول: اعور منزلك أي: إذا سقط جداره.
يقول الله تعالى: {وَمَا هي بعَوْرَةٍ} لأن الله عز وجل يحفظها، يعني: وما هي بخالية {إن يُريدُونَ إلاَّ فرَارًا} أي: ما يريدون إلا فرارًا من القتال.
ثم قال: {وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ مّنْ أَقْطَارهَا} يعني: لو دخل العسكر من نواحي المدينة {ثُمَّ سُئلُوا الفتنة} يعني: دعوهم إلى الشرك {لاَتَوْهَا} قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: {لاَتَوْهَا} بالهمزة بغير مد.
وقرأ الباقون: بالهمز والمد.
فمن قرأ بالمد {لاَتَوْهَا} يعني: لأعطوها.
ومن قرأ بغير مد معناه صاروا إليها وجاؤوها وكلاهما يرجع إلى معنى واحد يعني: لو دعوا إلى الشرك لأجابوا سريعًا.
{وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا إلاَّ يَسيرًا} أي: وما تحسبوا بالشرك إلا قليلًا.
يعني: يجيبوا سريعًا.
ويقال: لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بالمدينة إلا قليلًا.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ كَانُوا عاهدوا الله من قَبْلُ} يعني: من قبل قتال الخندق حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، خرج سبعون رجلًا من المدينة إلى مكة.
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة إلى السبعين، فبايعهم وبايعوه.
فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: «أَشْتَرطُ لرَبّي أَنْ تَعْبُدُوهُ ولا تُشْركُوا به شَيْئًا وأشْتَرطُ لنَفْسي أَنْ تَمْنَعُوني ممَّا مَنَعْتُمْ به أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلادَكُمْ» فقالوا: قد فعلنا ذلك فما لنا؟ قال عليه السلام: «لكم النصرة في الدنيا، والجنة في الآخرة» قالوا: قد فعلنا ذلك، فذلك قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عاهدوا الله من قَبْلُ} {لاَ يُوَلُّونَ الادبار} منهزمين {وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْؤُولًا} يعني: يسأل في الآخرة من ينقض العهد.
قوله عز وجل: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَو القتل وَإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَليلًا} أي: لا تؤجلون إلا يسيرًا، لأن الدنيا كلها قليلة.
ثم قال عز وجل: {قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصمُكُمْ مّنَ الله} يعني: يمنعكم من قضاء الله وعذابه {إنْ أَرَادَ بكُمْ سُوءًا} يعني: القتل {أَوْ أَرَادَ بكُمْ رَحْمَةً} أي: عافية ويقال: {سُوءا} يعني: الهزيمة {أَوْ أَرَادَ بكُمْ رَحْمَةً} يعني: خيرًا وهو النصر يعني: من يقدر على دفع السوء عنكم وجر الخير إليكم {وَلاَ يَجدُونَ لَهُمْ مّن دُون الله وَليًّا وَلاَ نَصيرًا} يعني: قريبًا ومانعًا. اهـ.